تُعدّ الأشجار من أثمن عناصر البيئة العمرانية، إذ تقدّم فوائد تتجاوز بكثير الجانب الجمالي. فالأشجار الناضجة توفر طيفًا واسعًا من الخدمات البيئية التي تسهم مباشرة في صحة البيئة ورفاه المجتمعات. فهي تعمل على امتصاص الكربون، وتُقلل من الجريان السطحي لمياه الأمطار، وتوفّر موائل حيوية للحياة البرية داخل المدن. والأهم من ذلك، أنها تُلطّف درجات الحرارة في المدن عبر الظلّ وعمليات التبخر والنتح، مما يحدّ من ظاهرة الجزيرة الحرارية الحضرية.
تتضاعف أهمية هذه الفوائد في المناطق المكتظة عمرانيًا، حيث تساهم مظلات الأشجار في جعل الأحياء أكثر ملاءمة للعيش وتقليل المخاطر الصحية المرتبطة بموجات الحرّ الشديدة. وقد أثبتت دراسات عديدة أن زيادة الغطاء الشجري ترتبط بانخفاض معدلات الجريمة، وتحسّن الصحة النفسية، وتعزيز الروابط الاجتماعية داخل المجتمعات.
لكن هذه الفوائد لا تتحقق إلا عندما تُزرع الأشجار وتُدار بعناية منذ البداية — بدءًا من الريّ. إذ تحتاج الأشجار الصغيرة إلى رطوبة مستمرة لتطوير جذور عميقة وثابتة. أما الريّ غير الكافي أو السيئ الإدارة خلال مرحلة النمو الأولى، فقد يؤدي إلى تباطؤ النمو، أو إجهاد الأشجار، أو موتها المبكر.
وبناءً على أفضل ممارسات تصميم أنظمة الريّ، يجب أن تُخصَّص منطقة ريّ منفصلة للأشجار بعيدًا عن المسطحات العشبية والشجيرات، نظرًا لاختلاف احتياجاتها المائية. هذا الفصل يسمح بتوزيع المياه بدقة وكفاءة أكبر بما يتناسب مع مرحلة نمو الشجرة، كما يُسهّل تقليل الريّ في فترات الجفاف دون التأثير على صحة الأشجار — وهي استثمار طويل الأمد في استدامة المساحات الخضراء.
إن التعامل مع ريّ الأشجار كعنصر مستقل ومحوري ضمن استراتيجيتنا في إدارة المياه يضمن أن تنمو الأشجار المزروعة اليوم وتزدهر لعقود قادمة، لتواصل تقديم خدماتها البيئية، وتعزيز القدرة على التكيّف المناخي، ودعم رفاه المجتمعات التي نعتمد عليها جميعًا.